الخميس، 30 أبريل 2015

الفتاة القروية والتعليم 2 / مقتطفات من كتاب قيد النشر بعنوان ( الأنثى والموروث الثقافي القروي )



وبخصوص التعليم الرسمي فكانت للرجل أيضاً الأسبقية . " فقد خطى تعليم المرأة البحرينية ، خطوات بطيئة إلى الأمام منذ افتتاح المدارس النظامية عام 1928م. إلا أن تسارعه قد بدا ملحوظاً منذ بدء الستينات غير أن عدد الطالبات الإناث ظل وما يزال دون عدد الطلاب الذكور . فحسب ما تشير إليه احصائيات وزارة التربية والتعليم البحرينية ، فإن نسبة الذكور إلى الإناث في المدارس الحكومية البحرينية ظل يتراوح ما بين 248 طالب لكل 100 طالبة في العام الدراسي 1954-1955 و 121 طالب لكل 100 طالبة في العام الدراسي 1979-1980

وتم افتتاح أول مدرسة للذكور في القرية ، وهي مدرسة كرزكان الابتدائية للبنين في العام 1952م - بينما تأخرت الأنثى في القرية بالالتحاق بالتعليم الرسمي إلى ما يقارب العشرين سنة، إلى أن تم افتتاح أول مدرسة للبنات في المنطقة وهي مدرسة فاطمة بنت أسد - التي تقع بين قريتَيّ كرزكان والمالكية - في العام 1972م. وهناك مثل شعبي يردده أهل القرية ..

كرزكان يا المعجبة                 أول إسبيتر (1) ، وتالي مدرسة.

 

(1)           سبيتر : مصطلح محلي كان رائجاً لدى الآباء والأجداد ، يعني المستشفى ، وهو مشتق من كلمة انجلينزية 

 

لقد بدأت أول دفعة من الفتيات تدخل هذه المدرسة، وسط معارضة مجتمعية كبيرة جداً. فكما تقول الإخبارية "كاظمية أحمد كاظم" - وهي من الدفعة الأولى اللائي دخلن المدرسة من هذه القرية - إن والدها لم يكن معارضاً ولكن أخاها الكبير كان بيده الحل والربط في هذا الموضوع، حيث كان يهددها دائماً بالالتزام بالضوابط المجتمعية والشرعية وعدم التعدي عليها وإلا فسوف يكون مصيرها العصا.

وتتابع الإخبارية كاظمية حديثها بالقول: إن عدد الطالبات كان قليلاً جداً، وقد تم ترفيع أغلبهن للصف الثاني مباشرة وعددهن - كما تقول كاظمية - "8 طالبات فقط" لأنهن متعلمات للقرآن الكريم.


وتقول: "عندما رغبتُ في إكمال دراستي (الإعدادية) رفض أخي الأكبر وقال لي: إلى هنا وكفى، إلا أن أخي الأصغر أصر على إكمالي للتعليم الإعدادي وأبدى استعداده لشراء المريول (اللباس المدرسي الرسمي) لي. وعند سؤالها: ما مدى قبول الأسرة بفكرة إكمالها للتعليم الثانوي؟ قالت: إنها لم تلاقِ أي اعتراض، إلا أن أعداد الفتيات أخذ يتناقص بسبب ممانعة الأهالي لذلك، وبالتالي هناك من اكتفين بالدراسة حتى السادس الابتدائي أو الاتجاه إلى التعليم الديني (الحوزات الدينية).

وتضيف: في ذلك الزمانُ كانت المتعلمات "مثقفات جداً" لكثرة قراءتهن للكتب وبشكل دائم بعكس ما نراه الآن، وتقول: من اجتزن الصف السادس كنّ بمثابة حاملات لشهادة "ثانوية عامة".

وعن الطالبات اللائي أكملن تعليمهن الثانوي تقول: "كنا خمس بنات فقط (أنا ومعي أربع أخريات)، هنّ: حميدة مكي، حميدة ياسين، وداد إبراهيم كاظم، وفاطمة درويش".

أما الإخبارية وداد إبراهيم كاظم الفردان، فتقول: "بدايةُ وقبل افتتاح المدرسة في منطقتنا قرر أخي أن يسجلنا (أنا وأختي) في مدرسة المنامة وأبدى استعداده لأن يوصلنا بسيارته الخاصة وخصوصاً أنها قريبة من عمله، وعندما طرح الموضوع على أبي رفض ذلك بشدة. لكن وعند افتتاح المدرسة (مدرسة فاطمة بنت أسد) بادر أخي بتسجيلنا - نحن الاثنتين - ولأننا كنا الدفعة الأولى فقد لاقى هذا الأمر الكثير من المعارضة من قبل الأهالي في القرية، حيث كان الناس - الرجال خاصة - يلاحقوننا في الشوارع من أجل إطلاق العبارات النابية التي قد تمس في بعض الأحيان شرفنا...".

وتواصل الحديث بالقول: "لقد تحملنا الكثير من الإهانات والتجريحات التي دفعت بأختي إلى التخلي عن فكرة دخول المدرسة، وخصوصاً أنها تكبرني سنّاً، أما أنا فقررتُ أن أدخل المدرسة وأتعلم، حيث كنتُ أضع بطاقة تسجيل المدرسة أسفل مخدتي حتى لا أفقدها".

تعليم الفتاة القروية - مقتطفات من كتاب قيد النشر بعنوان ( الأنثى والموروث الثقافي القروي )


للحديث عن تعلم المرأة في مجتمع البحث " قرية كرزكان" وعموم القرى البحرينية لابد أن نستعرض بدايةً وضع الأنثى والنظرة المجتمعية لها قبل هذه المرحلة. تلك النظرة السلبية - التي هي خليط بين العرف والدين - والتي لا تختلف عما هو متعارف عليه في المجتمعات العربية والخليجية عامة، حيث مثلت المرأة الكائن الضعيف في مجتمع يتغنى بالرجولة والذكورة، والمخلوق الذي وجد لا لشيء سوى لخدمة الرجل والعائلة والأولاد؛ وبالتالي فإن المكان الطبيعي لها هو البيت، هذا المخلوق المستنزَف مطالب بالكثير من الواجبات ومسلوب منه الكثير من الحقوق.

والنتيجة الحتمية لذلك الوضع المجحف والنظرة الدونية للأنثى جعل من حقها في التعليم أمراً غير ممكن  - في القرية بدأ التعليم غير الرسمي أي تعليم القرآن الكريم "الكتاتيب" حيث كان مقتصراً على الذكور إلى أن حصلت عليه الإناث متأخراً - كما ذكر أحد المثقفين - وما ساعد على ذلك هو أن المعلمين للقرآن هم رجال أيضاً، إلى أن جاءت مبادرة من بعض الآباء "المعلمين للقرآن" بتعليم بناتهم، وبالتالي فإن هؤلاء النسوة اللائي تعلمن القرآن الكريم أصبحن فيما بعد معلمات لبنات القرية ونسائها، إلى أن انتشرت الكتاتيب الخاصة بالإناث.

 

لقد لفت نظري تلك القصيدة التي أخذت ترددها " السيدة نجيبة " ، وهي امرأة من القرية ، لا تجيد  القراءة ولا حتى الكتابة ، لكنها مع ذلك هي تتقن لغة الحياة ولها خبرة ودراية تفوق المتعلمين .

 تقول:
 

تعلم العلم

تكون سيدي

 

كم رفع العلم

حقير النسب

 
العلم تاج

وجمال مقتبل

 
صاحبه العلم

مكرم أين جلس

 

من فاته العلم

تضعضع وانتكس

 

شتان بين

الحمار والفرس