الأحد، 7 يونيو 2015

اللباس - الدلالات والمضامين




يختزل اللباس دلالات ومعاني " خارجية و داخلية " فهو من ناحية يمثل الجانب " الظاهري و الذوقي "، ومن ناحية أخرى فهو يمثل سترا لعورة الجسد ، حيث أن الدين والعرف يقول بذلك.
لقد اقترن ذكر اللباس في القرآن الكريم بقصة النشأة الإنسانية الأولى ( آدم وحواء ) عليهما السلام للدلالة على أهميته. ( المنصوري ، بشير ، ألفاظ اللباس في القرآن، مجلة أدب البصرة ، العدد 47 ،  2008 ،  ص 71)
مع تطور الحضارة البشرية في مختلف عهودها أصبح اللباس يمثل هوية ، ثقافة هؤلاء الناس " الذين يرتدون تلك الملابس " لأن اللباس تعبيراً عن هوية ثقافية تعكس عادات وتقاليد الشعوب في أدق تفاصيلها وانتماءاتها الاثنية والطبقية.

" فاللباس مقوم من مقومات شخصية الأمة فهو يميزها عن غيرها من الأمم ليطبعها بطابع خاص تنعكس عليه جميع ملامحها وخصائصها الاجتماعية والأخلاقية والعقائدية والحضارية بصفة عامة ". ( السحيري ، صوفية ، الجسد والمجتمع ، ص 118)


لباس المرأة وتبدلاته :

لقد كان لباس المرأة قديماً عبارة عن السروال والدرّاعة (جلابية) والملفع(1). والثوب(2) (هذا بالنسبة إلى النساء الكبيرات في السن)، ويرتدي الفتيات لباساً آخر وهو القوَن (الفستان) والسروال بالإضافة إلى البخنق(3)، أما الشابات فكن يلبسن النيبي(4) والقميص، وعندما تخرج المرأة من المنزل كانت ترتدي المشمر(5) لستر جسمها وملابسها.


وكان لباس النساء الكبيرات في السن " المقنعة" (6) أثناء خروجهن من المنزل. وهناك الدفة(7) التي كانت قليلاً ما تلبسها المرأة القروية في البحرين ، أو بمعنى آخر إن المرأة كانت لا تلبسها داخل القرية إنما كانت تلبسها عندما تخرج من القرية فقط سواء للسفر أو حين تذهب إلى المستشفى. وهذا ما قاله الشيخ شاكر الفردان.


وكانت هذه العباءة مصنوعة من قماش خشن، وفيما بعد أصبحت هذه العباءة من الحرير (وكانت ترتديها الميسورات فقط) وفيما بعد أصبحت غالبية الفتيات والشابات ترتدي تلك العباءة الحريرية .


ثم أقبلت أكثرية النساء وبخاصة الكبيرات في السن على لبس الدفة مع الغشوة(8) وفيما بعد أخذت الشابات ترتدي البرقع(9). وحدث كذلك تطور في لباس النســاء وخاصة الشـابات منهن حيث أخذن يتأثرن بالموضـات ويتابعنها بشكل كبير فتغير لباس المرأة إلى حد كبير، حيث البنطلونات الضيقة والأقمصة والفانيلات المختلفة الألوان والأشكال ولكن مازالت تحرص على لبس العباءة السوداء التقليدية التي تغطي تلك الملابس الحديثة والمواكبة لأحدث الموضات العالمية وفي نهاية التسعينات حدث تطور في العباءة حيث استبدلت النسوة وبخاصة الفتيات منهن والشابات تلك العباءة بـ (البالطو ذي اللون الأسود). في البداية كان الأمر غير مقبول ولكن الفتيات كنّ يرتدينه في العمل فقط. بعدها راج شيوعه في المدارس والسبب في ارتدائها كونه أكثر ستراً من عباءة الرأس (التي تظهر مفاتن المرأة عندما تسقط من على الرأس...) وتصالح الرجال على لبسها بشرط أن تكون واسعة فضفاضة.

 

ولكن النساء أو الشابات خاصة أخذن يضيقن من وسعها تدريجياً إلى أن أصبحت شبيهة بالفستان الأسود الذي أدخلت عليه اكسسوارات وتطريزات ملونة أكسبته جمالاً ، لافتاً للأنظار من خلال البهرجة اللونية في الخامات المستعملة ، حيث يصل الأمر في بعض الأحيان وكأنه فستان سهرة باللون الأسود وقبل المجتمع ذلك على اعتبار أنها عباءة حداثية متطورة، من جهة أخرى فقد استبدل الحجاب بالشيلة السوداء المطرزة والمشكلة بأحدث التصاميم ، مع انتشار الشيلات الملونة.  

 

وعلى الرغم من المتابعة التي توليها المرأة وخاصة الشابة بآخر صرعات الموضة وانشغالها بالحياة العصرية والماديات إلا أنها مازالت تلتزم بالعادات والتقاليد المتبعة في المجتمع ، فهي حريصة على لبس العباءة السوداء (عباءة الرأس/ الدفة) داخل القرية؛ لأن لبسها البالطو في القرية وفي المناسبات والزيارات يتنافى مع تقاليد ذلك المجتمع وقد تتعرض للاستهجان أو الانتقاد الصامت من قبل أفراد المجتمع في حين أنها تلبس البالطو أو عباءة الكتف خارج القرية وهناك من النساء (الشابات) من يكنّ حريصات على لبس الدفة التقليدية حتى مع لبسهن لأحدث صرعات الموضة والجينز (حيث تدمج بين الحديث والقديم في الوقت نفسه) فهي تحاول مسك العصى من النصف ، تسعى لإرضاء ذوقها الشخصي في اللباس ، وبذات الوقت تحافظ على النسق التقليدي العام ، وتذرأ عن نفسها ( القيل والقال )  لكنما الصغيرات في السن والمراهقات هن أكثر استخداماً  للبالطو حتى في داخل القرية دون مراعاة للتقاليد السائدة.

ومع ظهور عباءة الكتف أو البالطو بمختلف التصاميم مع إضافة الإكسسوارات المتعددة الألوان والأشكال والأحجام، أصبحت تلك العباءة تجمع بين الستر والتبرج من وجهة نظر المجتمع ، حيث تصدى لها رجال الدين والخطيبات من على منابرهم بوصفها غزو ثقافي يتهدد المجتمع.

ومن خلال ما تقدم نلاحظ إن للون الأسود رمزية خاصة فهو رمز للحشمة والوقار (المتمثل بالعباءة السوداء الخالية من أي إكسسوارات تجميلية وزينة).
 
 اللباس وتداخل الثقافات الأخرى :
 
في السنوات الأخيرة ، من تسعينات القرن الماضي .. ظهرت لدينا بعض الموضات " كـ ارتداء الملابس الهندية وفيما بعد أصبحت النساء يرتدين الملابس الباكستانية أيضاً "  – كانت الأجواء تعكس تلك الحالة ( موضة ممتزجة بهويات شعوب أخرى) ، لكن هل هذه المحاكاة لمثل هذه الصرعات أو الموضات تقف عند هذا الحد.
الآن مع التطور الراهن في صيحات الأزياء ، أصبحت العباءة مزيج " بين الكويتية ، السعودية ، البحرينية " وفي السنوات الأخيرة ظهر " الشادر الايراني " .

وأخيراً على المستوى المحلي ، وضمن احتفالية الناصفة الشعبانية " القرقاعون " وهي مناسبة تحاكي تراثنا المحلي ، ظهرت لنا عادات غير مألوفة وهي تفنن الأم في تفصيل ملابس للطفل يرتديها الأولاد والبنات في هذه الليلة ، والتي تحاكي ثقافات عربية أخرى مثل اللباس المغربي - السوري - الفلسطيني - المصري .. الخ، وقد ساهم رواج مواقع التواصل الاجتماعي في تنامي واستنساخ مثل هذا التحول الاجتماعي والثقافي في طبيعة رؤيتنا للباس.
أيضاً " جلوة العروس " هي عادة تحاكي تراثنا البحريني الشعبي ، لكننا نرى العروس وقد أخذت ترتدي اللباس الهندي مثلاً ! وهذا السلوك باعتقادي يرجع إلى رواج البضائع الهندية في أسواقنا المحلية لوجود الهنود بكثرة في بلدنا.
 
هذا الأمر لا يقتصر فقط على التداخل والتمازج والتشتت في الهوية المحلية " لدى النسوة " من خلال لباسهن " المتعدد الهويات والانتماءات " ، إنما أجد بأن الرجل في السنوات الأخيرة أيضاً اتجه لنفس المنحى " لباس مزيج بين الاماراتي ،العماني ، السوري ، اللبناني ، الكويتي ، والمغربي ، والقائمة تطول .. هذه الموضات تظهر بكثره في مناسبات عدة من أهمها مناسبات " الأعياد " ، بدعوة " التغيير" .

لكن .. هل التغيير في الشكل " الستايل " يتطلب تغيير في الهوية " الوطنية " ؟. فأولئك ( وأقصد بذلك الشعوب الأخرى ) لهم لباسهم الذي يعبر بالضرورة عن هويتهم " هوية بلد  وثقافة " ، ونحن لنا لباسنا الخاص الذي يميزنا عن غيرنا من البلدان . في الحالة البحرينية مثلاً قد يكون هذا التداخل القوي " نتيجة للتعايش " بين الهندي والباكستاني والبحريني ضمن حيز جغرافي واحد " كون الوافدين الهنود أو سواهم موجودين من امد بعيد ، وبالتالي نجد أن الأمر لا يقتصر على اللباس إنما يتعداه إلى اللهجات المتداخلة والأكلات أيضاً وقد يصل الأمر إلى اكتساب بعض الحركات الإيمائية ولو على سبيل الدعابة ، لكنها بالمجمل تعكس إسلوب حياة.
 
 
الهوامش:
 
(1) الملفع:  لباس للرأس ويصنع من القطن ويكون خفيفاً أسود اللون. وترتديه النسوة خارج البيت ليسترن به شعر الرأس والرقبة والوجه وهو قريب الشبه بالحجاب السائد حالياً، إلا أنه يتخذ اللون الأسود دائماً. (وزارة شئون مجلس الوزراء والإعلام، 1996: 25)

(2) الثوب: عبارة عن لباس ترتديه المرأة فوق الجلابية وهو من الويل الخفيف المطرزة عند الصدر.

(3) البخنق: لباس ترتديه الفتاة لتغطية رأسها ورقبتها ولونه أسود مطرز بالخيوط الذهبية.

(4) النيبي: بنطلون ضيق من الأعلى وواسع من الأسفل يشبه لباس الممثلات المصريات قديماً.

(5) المشمر: عبارة عن قطعة من القماش تسمح بلف الجسم بأكمله من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين تستخدمه النساء داخل المنزل وأثناء الزيارات القريبة، ويكون قماش المشمر من الويل أو القطن وهو خفيف وتغلب عليه الرسوم النباتية ويعتبر من الأزياء المشهورة ولا يزال يستخدم بشكل واسع في القرى البحرينية. (نفس المرجع السابق : 25)

(6) المقنعة نفس مواصفات المشمر لكنها سوداء اللون.

(7) الدفة: رداء تلبسه النساء والفتيات يستر الجسم كله من الرأس حتى أخمص القدمين، وهو رداء مفتوح من الأمام وبه فتحتان تسمحان بمد أصابع اليدين. والعباءة شبيهة بالبشت الرجالي إلا أنها تأخذ اللون الأسود دائماً، وتكون شبه خالية من الحواشي المزخرفة. (نفس المرجع : 26)

(8) الغشوة: قطعة من القماش الأسود تضعها المرأة على وجهها حين خروجها من البيت أو رؤية الغريب.

(9) البرقع: شبيه بالغشوة لكنه مفتـوح للعينين فقط للسماح برؤية أفضل.


 

السبت، 6 يونيو 2015

طقوس حناء العروس في قرى البحرين قديماً


يبدأ طقس الحناء ، حيث تقوم إحدى النساء بتسريح شعر العروس وقراءة المولد عليها ومن ثم تقوم إحداهن بتمرير مكبس البخور على رأس العروس ، فتعلو أهازيج النسوة عموم المكان.

" والدخون أو البخور من المواد أو العناصر المفرحة التي تسر القلب ، وتشرح الصدر ، وتسعد النفس ، وتزيل الهم ، والكرب والحزن ، كما أنه – طبقاً للمعتقد الشعبي – بركة ، يحفظ الصحة ، ويجذب الملائكة ، ويجعل الشخص محبوباً لرائحته الزكية ، كما أنه يطرد الشياطين ، ويرتبط بالنظافة." (107)

بعد الانتهاء من تبخير العروس ، تقوم الحناية بوضع الحناء في يدي ورجلي العروس، وفي حال النذر يتم تخضيب العروس ، وقد يكون في أحد المساجد ، حيث يتم دعوة إمرأة " سيده " لتقوم بالتخضيب - تبركاً بنسبها المتصل بالرسول  الكريم (ص).

وفي الوقت ذاته كما قال الحاج جعفر : يقوم الرجال أيضاً بوضع الحناء في يدي ورجلي العريس وسط أهازيج الحاضرين.

هذا وقد يتكرر وضع الحناء للعروس عدة مرات  ، وتحديداً ثلاث طروق " طبقات " تقريباً، المرة الأولى  ليلاً ثم صباحاً وأخيراً عصراً ، كيما يكون حناء العروس " قاتماً " ، وهنا تردد النسوة ..
 

حلوة وجميلة يا لتشوفوها         بالعافية يا اللي تحنوها

ابنيه وجميله وشحلاوتها (1)        يا محلاها بين أحبتها

تحضر الزهرا (2) في زفتها           يا محلاها من تحنوها


(1)  ما أبهى فتنتها

(2)  المقصود بها بضعة الرسول (ص) ، السيدة فاطمة الزهراء (ع).

إن وضع الحناء عدة مرات ، له مبرر وهو أن حناء العروس لابد وأن يكون قاتماً " غامق " ، أما إذا صار باهتاً فيعاب ذلك على العروس وعلى من زينها وحتى على نوع الحناء " الردئ ".


و بعد الانتهاء من طقس الحناء يتم قراءة المولد والصلوات على محمد وآله لاستجلاب البركة في مثل هذا اليوم. و " الحناء " اسمه العلمي Lythraceae ، ويتبع النبات الفصيلة الحِنّائية وزهره يسمى بمصر " تَمْر حِنّة " ، وباليمن " الحنون " وبالشام " القطب ". ويزرع نبات الحناء في أماكن كثيرة من العالم ، بخاصة شبه الجزيرة العربية وشمال افريقيا وإيران ، ويزرع بالعُقَل في أوائل الربيع . وقد عرف المصريون القدماء النبات واستعملوا مسحوق أوراقه.  
ويستعمل مسحوق أوراق الحناء على شكل عجينة ، تخَضب بها الأيدي والأظافر والشعر ، ويزداد ثبات الخضاب إذا كان ذلك في وسط حمضي ؛ فيضاف إليه حمض الليمون " الستريك " أو حمض البوريك . وتستعمل عجينة الحنّاء في علاج الأمراض الجلدية والفطرية ، خصوصاً الالتهابات التي توجد بين أصابع القدم والناتجة عن نمو أنواع مختلفة من الفطِريات . ولعل استعمال الحناء قبل العرس تقليد فرعوني قديم ؛ فالخِضَاب بالحناء مطهر للجلد. (108)