عادة توارثها الخليجيون جيلاً بعد جيل ، وتوقيتها هو
ليلة النصف من شهر شعبان – أو ليلة النصف من شهر رمضان ، في تلك الليلة ، أزقة القرية وطرقاتها مضاءة بالأنوار المبهجة
للقلوب ، ممتلئة بالأطفال الراكضين هنا وهناك ، هذا و الفتيات يرتدين البخنق "
اللباس التقليدي للفتاة في القديم " وهو عبارة عن : غطاء أسود مصنوع من قماش
شفاف " الشيفون " أو قماش الجورجيت، ويزين البخنق بعض النقوش المنقوشة
بالخيوط الذهبية، وفي العادة يتم وضع حلية من الذهب تسمى الهلال.
بالنسبة للأولاد في الماضي، لم يكن لهم لباس محدد، فهم
يلبسون الملابس المتوافرة (الثوب التقليدي) إلى جانب (القحفيه) طاقية الرأس. (167)
هؤلاء الأطفال يحملون أكياسهم القماشية ( القريطوا ) ،
فقد كانت الأمهات تحرص فيما مضى على خياطته بأنفسهن.
هذا والأطفال يتنقلون " على شكل جماعات " بين
بيوت القرية ، من باب إلى باب آخر ، يهزجون أغنيتهم الخاصة بهذه الليلة..
- ناصفة حلاوة
على النبي صلاوة
- ناصفة حلاوات
على النبي صلاوات
عطونه من مالكم
سلم الله عيالكم
عطونه من مال الله
سلم لكم عبدالله (168)
- إقريطوا حلاوه
إقريطوا حلاوه
على النبي صلاوه
ولأن هذه الليلة ، كما تعتقد الأمهات الكبيرات في السن
بأنها ليلة خير ، وبركة ، فلا ينبغي أن تغلق فيها الأبواب ، وبالتالي تكون الأبواب
مشرعة ، من خلالها تتسرب رائحة البخور ، بينما
المرأة " صاحبة البيت " بلباسها التقليدي الغني بألوانه التراثية
القروية ، المتزينة بأفضل ما لديها من حلي
، تكون واقفة بجانب الباب الرئيس ، تحمل زبيل ( وعاء تمت حياكته محلياً من سعف
النخيل ) ، وبه خليط من السكسبال " الفول السوداني " مع بعض الحلويات (
أبو ارميت ، چاكليت ، مصاميص ) ، وبعض الخردة ( نقود معدنية من فئات الـ الخمس
والعشرين ، أو الخمسين والمئة فلس ). لتعطيها للأطفال ، فتضع مقداراً في راحة كف
يدها من ذاك الخليط في كيس " القريطوا".
هذا ويكون هناك بعض الأطفال ممن يحمل أكثر من كيس ، لكون
أن له أخوات كبيرات في السن يخجلن من ممارسة هذه العادة ، ويشدهن الحنين إلى
الماضي ، لذا يعمدن إلى عدم تفويت الناصفة ، وإعطاء الطفل " أخ أو قريب
" كيساً لكي ينوب عنهن في تحصيل بركة هذه الليلة.
- اليوم هناك أمور
اختلفت ، كنتيجة حتمية لتحسن الحياة المعيشية للكثير من الناس في المجتمع ، فلم
تعد مظاهر الإحتفال بالناصفة كما كانت سابقاً، فالقرية البحرينية أخذت في السنوات
الأخيرة تتلألأ بالمصابيح المضاءة على البيوت وفي الشوارع والطرقات والمآتم
والمساجد و جميع الأمكنة.
حتى ملابس الأطفال الخاصة بليلة الناصفة لم يستثنيها
التغيير، فالبعض أخذ يحرص على إبراز شيئاً من التراث الشعبي على ملابس أطفاله ،
وآخرون أصبحوا يفضلون أن تكون ملابس أطفالهم " إستايل " وفق الموضات
العالمية الجديدة ، والبعض الآخر أخذ يقتبس شيئاً من الثقافات العربية " كأن
يلبسوا أولادهم وبناتهم زياً مصرياً " لباس أهل الصعيد " ، أو زياً
مغربياً أو فلسطينياً.
وبالنسبة لأكياس " القريطوا " ، هي اليوم
تشترى جاهزة ، متعددة الألوان والأشكال ، حيث شاع إستعمال أقمشة مختلفة كالحريرأو
الشيفون أو الخيش ، وهي مزينة أحياناً بخيوط الصوف ، أوالخرز ، أوالجوخ ، أو
" دميات أطفال " .. إلخ
أما الحلوى
فأصبحت أنواعاً مختلفة من الشيكولاته والمكسرات باهضة الثمن المغلفة بأوراق
الزينة أو المعلبة في أشكال أنيقة . كما أصبحت بعض العطايا عبارة عن أموال تعطى
للأطفال في هذه الليلة ، أو بعض الألعاب المتنوعة. (169)
وفي السنوات الأخيرة أخذ الناس يتنافسون في تزيين
منازلهم لهذه المناسبة السعيدة وفيما يوزعونه في تلك الليلة، فتنوع الأشكال
والسلال التي توزع بالمناسبة بروح المنافسة ذاتها، ما قاد إلى رواج بضاعة كهذه في
هذا التوقيت وبالمقابل راجت أيضا محلات بيع الهدايا والزهور التي تنشط في هكذا
أيام لا تختلف كثيرا عن ليلة " القرقاعون".
والأمر لم يقف عند ذلك إذ صارت الجهات المنظمة للاحتفال
في القرى والمدن تنظم المسابقات وتوزع الجوائز. هذا إلى جانب انتشار ظاهرة
«البوفيهات» في السنوات الأخيرة إذ تبقى مفتوحة للزوار والأهالي.
وإذا ما تحدثنا عن مناسبة " الناصفة " ففي
الغالب " هي متفقة في الشكل والمضمون بين جميع أبناء دول الخليج رغم اختلاف
التسمية ، فيطلق عليها بعضهم " القرقاعون
" و " القرقعان " لتضمنه قرع الأبواب ، فيما يطلق عليه آخرون مسمى
الناصفة لاحتفاء الناس به في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك ".( و يسبقها
ليلة النصف من شهر شعبان).
ومسمى " حل وعاد " أي حال عليه الحول وعاد
باليمن والخير ، وعدة تسميات أخرى كـ " قريقشون " و " حق الليلة
" و " الطلبة " و " الكرنعوه " و " الماجينة "
و " حق الله " . ولعل تسميات ليلة " القرقاعون " و "
الناصفة " و " القريقشون " هي الأشهر بين أهل مناطق وقرى البحرين.
(171)
هناك من يرى أن لهذه الاحتفالية دلالات اجتماعية
وترفيهية والروح الجماعية والأسرية العامة التي تميز نمط العلاقات الاجتماعية ،
وتظهر تلك الدلالات من خلال اهتمام الأهالي بإحتفال الأطفال ، ومشاركتهم المشاعر
الطفولية بالفرحة ، وإشاعة روح المودة
والألفة بين الناس ، وهذا ما يعتبره المهتمون بالجانب التراثي من أبرز مكتسبات هذه
العادة. (172)
فهذا الاحتفال يشترك فيه الكبار – مع الصغار – في تزيين
المنزل من الداخل والخارج ، بل وفي الشوارع ، حيث تعلق الأنوار والزينات الملونة
والرايات ولافتات الترحيب وسعف النخيل وإقامة الأقواس إلخ من هذه المظاهر. (173)
ومن الناحية التربوية .. يعمل المخزون اللغوي المتضمن في
أغاني وأهازيج الأطفال الشعبية في وضع الأساس الأول لإنماء لغة الأطفال التي يعبر
بها ، ويتواصل من خلالها مع من حوله ، بكل ما تحمله من معاني ودلالات شعبية، علاوة
على ذلك فمن خلال لغة أغاني وأناشيد الأطفال الشعبية ، يكتسب الأطفال ثقافة
مجتمعهم ، ويصبحون منتمين للمجتمع وحاملين لهويته الوطنية ، عاملين على استمرارها
باستمرار وجودهم الاجتماعي. (174)
هذا ويشير الباحث التاريخي " جلال الهارون "
مؤكداً أن الناصفة هي عادات اجتماعية ، ذات جذر مرتبط بالمناسبات الدينية
الإسلامية وهي ذات بعد ثقافي يرتبط بالموروث الاجتماعي والفلكلوري لسكان الخليج
العربي. (175)
وقد كتب الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي في رسالته
المنشورة باسم ( رسالة في فضل ليلة النصف من شهر شعبان ) ، وفيها جاء المؤلف
بأسانيد كثيرة عن فضل هذه الليلة ؛ التي سميت بأكثر من اسم ، منها : ( الليلة
المباركة ، وليلة القسمة والتقدير ، وليلة الحياة ، وليلة الرحمة ، وليلة الإجابة
، وليلة الغفران ، وليلة عيد الملائكة ، وليلة الشفاعة والعفو). (176)
فمن المعروف أن
احتفال قرى البحرين بـ " ناصفة شهر شعبان " ، يرجع إلى أنها ليلة مباركة
، ففيها ولد حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله " الإمام المهدي بن الحسن " الذي ينتظر
ظهوره هؤلاء الناس ، لكي يعم الخير
والسلام، وهو المنقذ لهم من الجور والظلم " لدى هم يرددون دائماً ( اللهم كن
لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آباءه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً
وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا ، حتى تسكنه أرضك طوعا ، وتمتعه فيها
طويلاً ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
، وسلم تسليماً كثيرا)، هذه إيقونة " الفرج " التي يحفظها الصغير قبل
الكبير، يرددها كل حين، و في كل مناسبة.
أما ليلة النصف من شهر رمضان ، فيرجع أصل العادة على رأي
الكثيرين إلى مولد الإمام الحسن بن علي ( ع) سبط رسول الله ، حيث كانت ولادته في
النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية من الهجرة ، إذ إنه وما أن علم
المسلمون بخبر الولادة الميمونة التي فرح بها الرسول الأكرم ( ص ) حتى توافدوا على
بيت الرسول صلى الله عليه وآله يزفون إليه أحر آيات التهاني ويباركون له مولد سبطه
الحسن ، وهكذا بقيت هذه العادة جارية عند المسلمين حتى يومنا هذا. (177)
يذكر أن أهل البحرين إعتادوا على إقامة إحتفالات "
الزواج " ، في مثل هذه الليالي الطيبة " تبركاً. "
المراجع العلمية المعتمدة:
(167) القرقاعون في البحرين ، جريدة البلاد
، العدد 1962 ، الخميس 27 فبراير 2014
(168) أحمد علي الحاج علي ، أغاني الأطفال
الشعبية ومضمونها التربوي في مملكة البحرين ، الثقافة الشعبية ، العدد 5
(169) إسماعيل ، سيد علي ، الأصول التراثية
لاحتفال " الكرنعوه " ، مجلة البحرين الثقافية ، العدد 55 ، يناير 2009،
ص 103
(170) جريدة الوسط ، العدد 400 السبت
11 أكتوبر 2003م ، الموافق 14 شعبان 1424ه
(171) جريدة الأيام ، العدد ، 17807، الأربعاء
25 أغسطس 2010م
(172) جريدة الشرق الأوسط ، العدد
12658، 25 يوليو 2013م
(371) إسماعيل ، سيد علي ،الأصول التراثية
لاحتفال " الكرنعوه " ، مجلة البحرين الثقافية ، وزارة التقافة والتراث الوطني
، مملكة البحرين ، ص 104
(174) أحمد علي الحاج علي ، أغاني الأطفال
الشعبية ومضمونها التربوي في مملكة البحرين ، الثقافة الشعبية ، العدد 5.
(175) جريدة الرياض ، العدد 15740/ 29
يوليو 2011م
(176) إسماعيل ، سيد علي ، الأصول التراثية
لاحتفال " الكرنعوه " ، مجلة البحرين الثقافية ، وزارة التقافة والتراث الوطني
، مملكة البحرين ، ص 106
(177) جريدة الأيام ، العدد 17807 ، الأربعاء
25 اغسطس 2010.