الاثنين، 30 مارس 2015

كفاح القروية البحرينية




"العبدة بنت الكش". هي امرأة قروية مكافحة في منتصف العقد الخامس تقريباً، العبدة امتهنت عدة أعمال في حياتها ، قد يعجز بعض الرجال عن القيام بها ، وقد سمعت عن هذه المرأة ، ودفعني فضولي للالتقاء بها ، والاطلاع على صفحات من حياتها، وكان لي معها هذا اللقاء..

- استهلت حديثها العبدة بالقول: دخلتُ بدايةً "لِمْعَلِّمْ" وحفظتُ 6 أجزاء من القرآن الكريم ، إلا أن أمي مرضت، وبالتالي أخرجني أبي من "لمعلم" حتى أعمل في الفلاحة، كنت أذهب مع أخواتي منذ الصباح الباكر حيث كان ريوگنا  " فطورنا " وأيضاً غداؤنا في المزرعة. وكنت أقوم بعدة أعمال منها ترويس النخيل " تنظيفها " وأقوم بتحديرها وبجمع الرطب. كما أني كنت أقوم بـ جَزّ (قَطْع) البقل والرويد والگت (البرسيم) وبعد ذلك كنا نبيعه على الناس .                                                      

وتقول: بعد زواجي استمريت في الذهاب  لـ حش (قطع) الحشائش للغنم وكنا نقطف اللوز ونبيعه ، اتذكر أني كنت أبيع أربع حبات من اللوز بـ خمسين فلساً ، وكنا نقوم بقطف الطماطم ووضعها في الصناديق المخصصة لها والتي يتم بيعها فيما بعد في سوق المنامة.                                                                   

- وتواصل حديثها: في كل مساء كنا نسف ونخيط السميم، ونبيعه بـ خمسمائة فلساً ، وفيما بعد ارتفع سعرها إلى سبعمائة فلساً. وكنا نذهب للبحر بـ "الطرّاد" (قارب)، حيث كنت أقوم بدفع الطراد بـالمجداف وليس بالماكينة كما هو الآن، أيضاً كنت أذهب للحظرة لصيد الأسماك. وحتى تلك "الحظور" كنا نشيدها "نحن النسوة" من "الجريد" لتكون جاهزة للاستخدام سواءً للعائلة أو لعموم الناس في القرية.كنت في زماني "أشِدْ الحمار" أي أضع البردعة على الحمار وأجهز العربة " الگاري " لتثبيت حزامها فوق الحمار ، من أجل الذهاب للمزرعة المسماة بـ "البَديع".                         

وعن طريق الحمار والگاري كنتُ أقوم بتوصيل بعض النساء من الأهل إلى النخيل (البساتين)، أو بنقل الماء والمواعين (الأواني المنزلية) والثياب إلى المنازل بعد تغسيلهما.                              

وتواصل الحديث: من الأعمال التي زاولتُها أيضاً استخراج المخلفات الآدمية  لاستخدامه كـ "سماد" في الزراعة بالإضافة إلى أن لدينا "بقر وغنم"، فكنتُ أقوم بحلب هذه الأبقار.                                             

 
تستذكر العبدة تلك الأيام بالقول .. عملتُ أيضاً مع والدي في البناء (بناء البيوت بالحجارة)، وكنت أحصل في مقابِله على 750 فلساً، ومن البيوت التي شاركتُ في بنائها منزل الحاج مكي بن خلف، ومنزل الحاج سلمان بن عبدالله بن علي في كرزكان، و بعض البيوت في قرية الهملة وصدد.      وتقول:كان عمري حينها لا يتجاوز الثالثةعشر! 

وتختم العبدة حديثها بالقول : كان إسمي " نجمة " وفيما بعد أسماني أبي بـ " العبداني " وأخيراً "العبده" بسبب قدرتي على القيام بهذه الأعمال الصعبة وغيرها بمهارة تامة.                                                    

وأصبح الناس يطلقون عليّ فيما بعد بـ "الدكتورة"، لأني أقوم بعلاج الأطفال من بعض الأمراض بالكي، والمراخ (نوع من التدليك والمساج).  

وها هنا كما رأينا واحدة من قصص كفاح المرأة القروية ، فـ قصة هذه المرأة " العبدة " ، هي واحدة من بين القصص التي تعبر في حقيقتها عن شجاعة وكفاح القرويات في الأزمنة القديمة.

 

الأحد، 29 مارس 2015

بين الشعيرة ورموزها الثقافية - طقوس غياب الحجاج وإستقبالهم في قرى البحرين قديما




شهدت حياة أهالي القرى في البحرين قديماً ، شواهد عديدة فيما يتعلق بطقوس " غياب الحجاج ، واستقبال العائدين من أداء فريضة الحج "، تلك الطقوس التي تجسد في حقيقتها الكثير من المعاني والمضامين.

وقد حدثنا المرحوم الحاج جعفر الفردان : أيام زمان ونتيجة لغياب الحجيج فترة طويلة والتي قد تصل في كثير من الأحيان إلى شهرين أو ثلاثة أشهر نتيجة لصعوبة المواصلات آنذاك، وبالتالي كان الناس في القرية يترقبون رجوعهم و يعدّون الليالي والأيام لذلك.
 
إذ تبدأ طقوس المرجحانة عند خروج الحاج من منزله ، حيث تقول إحدى كبار السن : عند خروجه يدار على رأسه بالعيش ( الأرز ) بالإضافة إلى مبلغ من المال ، ثم يعطى ذلك للفقراء لدفع البلاء عنه .. وتقول أخرى : عندما يستعد الحاج للسفر ، يرفع الآذان ويرمون عليه النقود ،كما يوزعون على الحاضرين النقود أيضا بمعنى الصدقة لدفع البلاء عن الحاج ورجوعه بالسلامة. تنصب المرجحانة من يوم خروج الحاج من الحي ( الديرة ) وتبقى حتى يوم التاسع من شهر ذي الحجة .. وفي البداية تنصب المرجحانة في داخل بيت الحاج إذا كان هناك متسع من المكان ، أما إذا لم يكن هناك مكان مناسب فيتم نصبها في ( أماكن المرجحانة ) أي الأماكن التي تكثر فيها وجود السدر أو النخيل.(1)

 


وهناك أهازيج ترددها النسوة والصبية " أثناء غياب الحاج "حيث يجلسون على الأرجوحة التي هي عبارة عن حبل سميك يربط بين نخلتين ، وهم يرددون:
 
 
يا نجوم الليل هبوا

وصلوا لـ مكة وردوا
وصلوا الكعبة الشريفة
 ::
 وهناك إهزوجة ..

العيد عيدنا وشكينا لحجول

والف صلينا على الهادي الرسول

وحجوا الحجاج بيام السعود

يا عيدة الزينة على الحجي تعود

العيد باجر والذباح الليلة

وامي تعجفني عجاف انخيلة

قومي يا شيخة ركبي الصفرية

يا شيخة النسوان يالبيبية

فرشوا إلى الحجي على الفراسه

ويراطن العجمان مقوي باسه

فرشوا إلى الحجي على السطحة حصير

يراطن العجمان والمركب يسير

عساك يالحجي حجة امكمله

يحج بيت الله ويجي لمنزله

جتنا اخطوط امن المدينة امشمعه

يقراها الحجي حجة اميدنة

تحج بيت الله وتجينا بالهنى

بيتك يالحجي يالمنور من ورى

يعجب المار جنه منظرة (2)

 

ونتيجة لطول مدة الغياب ، هم كانوا يرددون :


العيد عيدنا في ظل النخيل

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيتك يا الحجي سيسوا (1) يبنونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

بيت العدو بالتفق يرمونه

ولـ عايدوا ولـ عايدوا ولـ عايدوا

(1) تم وضع أساسات بيتك يا حاج.


وحول ذلك يقول الحاج جمعة : قديماً كان الناس في القرية يستقبلون الحاج عند عودته من أداء فريضة الحج، بذبح خروف على رجله قبل دخوله بيته، هذا الخروف الذي قامت العائلة مسبقاً في أيام غياب الحاج بتربيته والعناية به.

ويستطرد قائلاً: يتم تجهيز زوجة الحاج وكأنها عروس تزف لأول مرة ، ثم يقوم الأهالي بعمل زفة للحاج وإدخاله على عروسه ..

لذا فالنساء عندما يجلسن على الأرجوحة للتسلية كن يرددن :


- المرجحانه .. المرجحانه

زفوا الحجي إلى نسوانه


خصوصاً مع كثرة تعدد الزوجات لدى الرجل القروي في ذاك الوقت ، وهذا ما ترجمته الأهزوجة السابقة.

هذا بالإضافة إلى أنه يتم عمل وجبات الغداء والعشاء للجيران والأقرباء احتفاءً بهذه المناسبة السعيدة ، ولمدة تصل إلى أسبوع.

ما استعرضناه هنا من خلال حديث الحاج جعفر والحاج جمعة يدوِّن لمرحلة تاريخية اتسمت بعاداتها وطقوسها الخاصة بها نتيجة للظروف الحياتية آنذاك وثقافة الناس حول شعيرة الحج




 
الحج و " الأضحية " ودلالاتها المتشعبة ..


تمثل الأضحية الجانب المادي المعنوي ذات الدلالات الرمزية المكثفة لدى أهالي البحرين أكثر من كونها مجرد " نبتة أو زرعة " ، حيث شعيرة الحج وهمسات الحجيج الذين يؤدون مناسكهم هناك في البيت الحرام ، لذا كان الناس يطلقون عليها " حجية " أو " أضحية " ضحية .

وهناك عرف كان سارياً بالقرية .. بيع الطفل على السيده(1) بمعنى أن تنذر المرأة التي لا تنجب الأطفال، إذا الله بلغها وأنجبت طفلاً، بأن تقوم سيده بعمل الأضحية له . وقد تصل المدة الزمنية إلى أن يكبر هذا الطفل ويتزوج وينجب ، وهناك حالة لمستها بنفسي لرجل لديه أولاد ما زالت السيده تقوم بعمل الأضحية له.

بالرجوع مرة أخرى إلى الأضحية والتي تحرص السيده على عملها وبيعها لأبناء وبنات الحي أو القرية. الأضحية " عبارة عن نبته سواء من بذور " الماش" أو "الشعير " بإستخدام – روث الحمير ومؤخرا تم استخدام " نشارة الخشب " التي توضع في الكُفة " السلة المصنوعة من سعف النخيل "، فتسقى هذه النبتة كل يوم ثلاث مرات تقريباً إلى أن تخضر وتنمو تدريجياً حتى صبيحة يوم العيد.

(1) السيده هي المرأة التي يتصل نسبها بالرسول (ص) ، من جهة الأب.



و هناك طقس يمارس من قبل الأهالي في هذا اليوم " يوم العيد " حيث تقوم صاحبة البيت بـوضع خبز الخمير على الأضحية ثم تسكب الماء لترويها وهي تردد :

- حجيتي حجية ..

وديتش للبحرية ..

عطيتش سمج صافية

غذيتش وعشيتش ..

في يوم العيد لا تدعي عليّ.



-         اشربي من ماء زمزم

اشربي من نقطة الدم

اشربي يا هاشمية



وفي هذه الحالة تمثل الأضحية رمزاً لشعيرة الحج كأضحية تضاهي الأضحية التي يخرجها الحجاج هناك، وأيضاً تعد رمزاً لفرح وبهجة الأطفال.

وبالتالي كان هناك أهازيج الوداع لتلك الأضحية، فعندما تتجه المرأة لرمي الأضحية كانت تبكي وتدمع عينيها حزناً عليها وهي تردد :

أوداعت الله يا حجيتي

حلليني وبري (1) ذمتي

ربيتش ،وتعبت عليش (2)

 وتروحين من ايدي


(1)           حلية الشيء أي إبراء الذمة اتجاه أمر ما.

(2)           ربيتك .. أي سقيتك وتوليتك بالعناية.

 

أيضاً قديماً - هذه الأضحية أو " الحجية " لم يقتصر عملها للأطفال فقط ، إنما هناك عرف قائم في القرية ، بأن تخصص الأضحية لكل أفراد العائلة كبيرهم وصغيرهم حتى الحجاج الغائبين كذلك.

وعندما يكتب الله لأحد الناس أداء شعيرة الحج ، تعمل له " أضحية " أو يقوم أحد أقربائه أو الراغبين بالحج – والذي لم يكتب الله له الحج بعد - بعمل أضحية لهذا الحاج ويقوم بالاعتناء بها اثناء غيابه ، وفي يوم العيد يخرج ليرميها في البحر فداء لهذا الحاج، وهناك اعتقاد لدى الناس بأن هذا الشخص الذي عمل الأضحية وأخرجها عن الحاج ، سوف يكتب له رب العالمين الحج في السنة اللاحقة.

وهنا تشكل الأضحية دلالة اجتماعية ورمزية مكثفة حيث ثيمة الفداء .. الخير .. التفاؤل .. العطاء والعطية.

وبعيداً عن ذلك ، هناك اعتقاد آخر يقول : بأن الحية بية ( الحجية ) ، هي من طقوس قديمة جاءت بها حضارة دلمون أو حضارات أخرى ، وهي تتمثل في تقديم القرابين للبحر ، وما الحية بية إلا قربان يقدمه الأولون للبحر ، كي يحموا أنفسهم من غضبه. (2)

من جهة أخرى قال رئيس قسم الدراسات والبحوث لإدارة الآثار والتراث إبراهيم سند حول أصل عادة «الحية بية» «هناك تعدد في المصادر والمعلومات والتي تتعلق بأصل ونشأة العادات والتقاليد بشكل عام والتي تكون من الصعوبة تحديد العمر الزمني لها وذلك بسبب اختلاط موضوع المعتقد الشعبي مع العادة ونحن كباحثين نستطيع القول إن هذه العادة هي من العادات القديمة المتوارثة من أزمنة ساحقة وقد جاءت للبحرين على شكل معتقد وبعد ذلك تم إضافة هذا المعتقد وبحكم التكرار والممارسة أصبحت نوعاً من العادة المستحبة في المجتمع البحريني».

وأضاف سند «البعض يقول عن الحية بية إنها كانت ممارسة لشعوب وحضارات قديمة تعود لآلاف السنين منها الحضارة الفرعونية والحضارة الهندية, ومثال على ذلك أن يتم اختيار فتاة جميلة وإلباسها ثوباً جميلاً يتم التضحية بها للمياه خوفاً من الفيضانات».

ويواصل سند «ولكن السؤال في أن البحرين تأثرت» أقول نعم تأثرت بشكل كبير وذلك بسبب الهجرة البشرية فلربما أقوام سابقة قد تركت في البحرين مثل هذا الاعتقاد وأصبح عادة».

وبيّن سند الارتباط بين هذه العادة والعيد الأضحى فيقول تم إسباغ الجانب الإسلامي على هذه العادة وأصبحت مرتبطة بشكل جذري بالعيد الأضحى وهذا الأمر جعل الحية بية محببة». (2)

وأمام كل ما سبق يتبين لنا مما استعرضناه مدى الغنى العقائدي ، الروحي والفلكلوري الذي وجدناه في الممارسات الشعائرية لهذا المجتمع ، حيث لا ينفصل عن تاريخه وإرثه الثقافي في بعده الإنساني تجلى في مختلف صوره الناطقة بحب الحياة ومفاهيمها المتشعبة التي لم تقصي حتى النبتة فقد " أنسنتها " في مفهوم ومعنى التضحية.

 
المراجع العلمية :

(1)
(1) أميرة جعفر ، تهاني المرخي ، المرجحانة  في الموروث الشعبي القديم ، الثقافة الشعبية ، ادب شعبي ، العدد 11.
(2) نفس المرجع العلمي السابق ، الثقافة الشعبية ، أدب شعبي ، العدد 11.
(3)           بن حربان ، جاسم محمد ، التغيير وآلياته في موروثاتنا الشعبية ، وزارة الثقافة والتراث الوطني ، الطبعة الأولى ، 2010، ص 73

 

(4)           العسم ، شيخة ، «الحيــةالبيــة».. تعـــددت المصــادر واختلــط المعتقــد مع العــادة ، جريدة الوطن ، الجمعة 26 أكتوبر 2012

 

من التراث / تمنيات الفقير وتمنيات الغني



الفقير يقول ..

أشتهي
وأتمنى
شبعتي
بيوت (1)
 
واركا (2)
نخيل
العوالي (3)

وأنسدح (4)
وأموت (5)


بينما الغني يقول ..

أشتهي
وأتمنى
ألف
ربية

وألف
جلة تمر (6)
في
البيت
مرمية (7)
 
وغرفة
عالية
فيها
منامية (8)

وشربة (9)
مبردة
من
ماي
الحنينية (10)




الهوامش :

(1) ما تبقى من طعام من يوم أو يومين يقال له طعام بائت.

(2) أركب أي أرتقي و أرتفع.

(3) النخيل الممشوقات الطول العاليات.

(4) أي أضجع أو أمبطح.

(5) كي ينزلق عنها ، فيقع ويموت ، وهنا نية بالانتحار.

(6) وعاء من خوص النخيل يحفظ فيه التمر.

(7) ملقاة في البيت كاحتياط غدائي.

(8) فيها امرأة من المنامة  ، من الصفوة " من العاصمة".

(9) البغلة وهي آنية فخارية لحفظ ماء الشرب بارداً أيام الصيف.

(10) عين ماء بحرينية امتازت بمائها العذب.